mercredi 1 mai 2013

حال العرب في الجاهلية

مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي

العصر الجاهلي :
يطلق اصطلاح العهد الجاهلي على حال العرب قبل الإسلام تمييزاً وتفريقاً مع العهد بعد البعثة النبوية وظهور الإسلام. فقد كانوا في الجاهلية يعبدون الأصنام، ويقدمون لها القرابين، فجاء الإسلام وحررهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، حيث لم يكن هناك دين يوحد العرب في الجاهلية فكان منهم من يدين بالمسيحية وهم قلة ومنهم من يدين باليهودية وغيرها من الأديان والملل المتفرقة هنا وهناك، وكان يسود النظام القبلي فقد كانت القبائل تتكتل وتقاتل بعضها بعضا من أجل العيش في حالة فوضوية يرثى لها، حتى جاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلمبرسالة الإسلام وانتشل العرب من هذه الحالة وصنع منهم أعظم أمة عرفتها البشرية.

 

حال العرب في الجاهلية

تقول فاطمة بنت محمد مخاطبة الناس بعد موت أبيها في خطبة مطولة ترثي بها أباها وتصف فيها مظلوميتها: "وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد والورق أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وسلمبعد اللتياوالتي وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا لاتأخذه في الله لومة لائم".
وكانت المرأة مهضومة حقها في الجاهلية إذ كانوا يحرمونها من الميراث الذي هو حق شرعي لها، وكانوا يرغمونها على الزواج من فلان بعينه دون أن يعطونها حق الإختيار، وهذه عادة قضى عليها الإسلام، إذ كرم المرأة ورفع مكانتها وشرفها فأصبحت ترث وتختار زوجها بمحض إرادتها، وأمرها بالإحتشام ونهاها عن التبرج والسفور صوناً لعفافها، وحفاظاً لشرفها، فقال تعالى: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى".
واشتهر العهد الجاهلي ببعض الصفات الحميدة والتي اشتهر بها العرب أكثر من غيرهم من الشعوب والأمم في ذلك الوقت، كالكرم والشهامة والفروسية والشعر، وهذا الأخير كان من أبرز سمات العصر الجاهلي حتى سمي ديوان العرب. وكانت تنظم المسابقات الشعرية ويتم اختيار الفائزين في سوق عكاظ السنوي في مكة المكرمة.

العربي الجاهلي
العربي عصبي المزاج، سريع الغضب، يهيج للشيء التافه، ثم لا يقف في هياجه عند حد، وهو أشد هياجاً اذا جرحت كرامته، أو انتهكت حرمة قبيلته. واذا اهتاج، أسرع الي السيف، واحتكم اليه، حتي أفنتهم الحروب، وحتي صارت الحرب نظامهم المألوف وحياتهم اليومية المعتادة.
والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء، وفي الحق أن العربي ذكي، يظهر ذكاؤه في لغته، فكثيراً ما يعتمد علي اللمحة الدالة والاشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو الا أن يُفجأ بالأمر فيفجؤك بحسن الجواب، ولكن ليس ذكاؤه من النوع الخالق المبتكر، فهو يقلب المعني الواحد علي أشكال متعددة، فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعني، وان شئت فقل ان لسانه أمهر من عقله.
خياله محدود وغير متنوع، فقلما يرسم له خياله عيشة خيراً من عيشته، وحياة خيراً من حياته يسعي وراءها، لذلك لم يعرف (المثل الأعلي)، لأنه وليد الخيال، ولم يضع له في لغته لفظة واحدة دالة عليه، ولم يشر اليه فيما نعرف من قوله، وقلما يسبح خياله الشعري في عالم جديد يستقي منه معني جديداً، ولكنه في دائرته الضيقة استطاع أن يذهب كل مذهب.
أما ناحيتهم الخلقية، فميل الي حرية قلّ أن يحدّها حدّ، ولكن الذي فهموه من الحرية هي الحرية الشخصية لا الاجتماعية، فهم لا يدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم، تاريخهم في الجاهلية ـ حتي وفي الإسلام ـ سلسلة حروب داخلية، وعهد عمر بن الخطاب كان عصرهم الذهبي، لأنه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية، ولأنه، رضي الله عنه، منح فهماً عميقاً ممتازاً لنفسية العرب.
والعربي يحب المساواة، ولكنها مساواة في حدود القبيلة، وهو مع حبه للمساواة كبير الاعتداد بقبيلته ثم بجنسه، يشعر في أعماق نفسه بأنه من دم ممتاز، لم يؤمن بعظمة الفرس والروم مع ما له ولهم من جدب وخصب وفقر وغني وبداوة وحضارة، حتي اذا فتح بلادهم نظر اليهم نظرة السيد الي المسود.
ثم خلص الي أن العرب في جاهليتهم كان أكثرهم بدواً، وان طور البداوة طور اجتماعي طبيعي تمر به الامم في اثناء سيرها الي الحضارة، وان لهذا الطور مظاهر عقلية طبيعية، تتجلي في ضعف التعليل، وعني بذلك عدم القدرة علي فهم الارتباط بين العلة والمعلول والسبب والمسبب فهماً تاماً، يمرض أحدهم ويتألم من مرضه، فيصفون له علاجاً، فيفهم نوعاً ما من الارتباط بين الدواء والداء، ولكن لا يفهمه فهم العقل الدقيق الذي يتفلسف، يفهم ان عادة القبيلة أن تتناول هذا الدواء عند هذا الداء، وهذا كل شيء في نظره، لهذا لا يري عقله بأساً في أن يعتقد ان دم الرئيس يشفي من الكَلَب، أو ان سبب المرض روح شرير حل فيه فيداويه بما يطرد هذه الأرواح، أو انه اذا خيف علي الرجل الجنون نجسوه بتعليق الأقذار وعظام الموتي الي كثير من أمثال ذلك، ولا يستنكر شيئاً من ذلك ما دامت القبيلة تفعله، لأن منشأ الاستنكار دقة النظر والقدرة علي بحث المرض وأسبابه وعوارضه، وما يزيل هذه العوارض، وهذه درجة لا يصل اليها العقل في طوره الأول .
ثم أورد أمثلة للاستدلال بها علي ضعف التعليل، مثل قولهم بخراب سدّ مأرب بسبب جرذان حُمر، ومثل قصة قتل النعمان لسنمار بسبب آجرة وضعها سنمار في أساس قصر الخورنق، لو زالت سقط القصر. ثم تحدث عن مظهر آخر من مظاهر العقلية العربية، لاحظه بعض المستشرقين ووافقهم هو عليه، هو: ان طبيعة العقل العربي لا تنظر الي الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر الي العالم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، بل كان يطوف فيما حوله، فإذا رأي منظراً خاصاً أعجبه تحرك له، وجاس صدره بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو المثل. فأما نظرة شاملة وتحليل دقيق لأسسه وعوارضه فذلك ما لا يتفق والعقل العربي. وفوق هذا هو اذا نظر الي الشيء الواحد لا يستغرقه بفكره، بل يقف فيه علي مواطن خاصة تستثير عجبه، فهو اذا وقف أمام شجرة، لا ينظر اليها ككل، انما يستوقف نظره شيء خاص فيها، كاستواء ساقها أو جمال أغصانها، واذا كان أمام بستان، لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه (الفوتوغرافيا)، انما يكون كالنحلة، يطير من زهرة الي زهرة، فيرتشف من كل رشفة . الي ان قال: هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي يكشف ما نري في أدب العرب ـ حتي في العصور الإسلامية ـ من نقص وما تري فيه من جمال.
وقد خلص من بحثه، الي ان هذا النوع من النظر الذي نجده عند العربي، هو طور طبيعي تمر به الأمم جميعاً في أثناء سيرها الي الكمال، نشأ من البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاش فيها العرب، وهو ليس الا وراثة لنتائج هذه البيئات، ولو كانت هنالك أية أمة أخري في مثل بياتهم، لكان لها مثل عقليتهم، وأكبر دليل علي ذلك ما يقرره الباحثون من الشبه القوي في الأخلاق والعقليات بين الأمم التي تعيش في بيئات متشابهة أو متقاربة، واذا كان العرب سكان صحاري، كان لهم شبه كبير بسكان الصحاري في البقاع الأخري من حيث العقل والخلق.

مظاهر الحياة العقلية (الطبيعة)
أما العوامل التي عملت في تكوين العقلية العربية وفي تكييفها بالشكل الذي ذكره، فهي عاملان قويان هما: البيئة الطبيعية، وعني بها ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء وغير ذلك، والبيئة الاجتماعية، وأراد بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وليس أحد العاملين وحده هو المؤثر في العقلية.
وحصر أحمد أمين مظاهر الحياة العقلية في الجاهلية في الأمور التالية: اللغة والشعر والأمثال والقصص. وتكلم علي كل مظهر من هذه المظاهر وجاء بأمثلة استدل بها ما ذهب اليه.
والحدود التي وضعها أحمد أمين للعقلية العربية الجاهلية، هي حدود عامة، جعلها تنطبق علي عقلية أهل الوبر وعقلية أهل المدر، لم يفرق فيها بين عقلية من عقلية الجماعتين. وقد كونها ورسمها من دراساته لما ورد في المؤلفات الإسلامية من أمور لها صلة بالحياة العقلية ومن مطالعاته لما أورده (أوليري) (وبراون) وأمثالهما عن العقلية العربية، ومن آرائه وملاحظاته لمشكلات العالم العربي ولوضع العرب في الزمن الحاضر. والحدود المذكورة هي صورة متقاربة مع الصورة التي يرسمها العلماء المشتغلون بالسامية عادة عن العقلية السامية، وهي مثلها أيضاً مستمدة من آراء وملاحظات وأوصاف عامة شاملة، ولم تستند الي بحوث علمية ودراسات مختبرية، لذا فانني لا أستطيع أن أقول أكثر مما قلته بالنسبة الي تحديد العقلية السامية، من وجوب التريث والاستمرار في البحث ومن ضرورة تجنب التعميم والاستعجال في اعطاء الأحكام.
وتقوم نظرية أحمد أمين في العقلية العربية علي أساس أنها حاصل شيئين وخلاصة عاملين، أثرا مجتمعين في العرب وكوّنا فيهما هذه العقلية التي حددها ورسم معالمها في النعوت المذكورة. والعاملان في رأيه هما: البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. وعني بالبيئة الطبيعية ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء ونحو ذلك، وبالبيئة الاجتماعية ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وهما معاً مجتمعين غير منفصلين، أثّرا في تلك العقلية. ولهذا رفض أن تكون تلك العقلية حاصل البيئة الطبيعية وحدها، أو حاصل البيئة الاجتماعية وحدها. وأخطأ من أنكر أثر البيئة الطبيعية في تكوين العقلية ومن هنا انتقد (هيغل) (Hegel)، لأنه أنكر ما للبيئة الطبيعية من أثر في تكوين العقلي اليوناني، وحجة (هيغل) انه لو كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين العقليات، لبان ذلك في عقلية الأتراك الذين احتلوا أرض اليونان وعاشوا في بلادهم، ولكنهم لم يكتسبوا مع ذلك عقلهم ولم تكن لهم قابلياتهم ولا ثقافتهم. ورد (أحمد أمين) عليه هو أن ذلك يكون صحيحاً لو كانت البيئة الطبيعية هي المؤثر الوحيد، اذن لكان مثل العقل اليوناني يوجد حيث يوجد اقليمه، وينعدم حيث ينعدم، أما والعقل اليوناني نتيجة عاملين، فوجود جزء العلة لا يستلزم وجود المعلول .
وأثر البيئة الطبيعية في العرب، أنها جعلت بلادهم بقعة صحراوية تصهرها الشمس، ويقل فيها الماء، ويجف الهواء، وهي أمور لم تسمح للنبات أن يكثر، ولا للمزروعات أن تنمو، الا كلأ مبعثرا هنا وهناك، وأنواعاً من الأشجار والنبات مفرقة استطاعت أن تتحمل الصيف القائظ، والجو الجاف، فهزلت حيواناتهم، ونحلت أجسامهم، وهي كذلك أضعفت فيها حركة المرور، فلم يستطع السير فيها الا الجمل، فصعب علي المدنيات المجاورة من فرس وروم أن تستعمر الجزيرة، وتفيض عليها من ثقافتها، اللهم الا ما تسرب منها في مجار ضيقة معوجة عن طرق مختلفة
وأثر آخر كان لهذه البيئة الطبيعية في العرب، هو انها أثرت في النفوس فجعلتها تشعر انها وحدها تجاه طبيعة قاسية، تقابلها وجهاً لوجه، لا حول لها ولا قوة، لا مزروعات واسعة، ولا أشجار باسقة، تطلع الشمس فلا ظل، ويطلع القمر والنجوم فلا حائل، تبعث الشمس أشعتها المحرقة القاسية فتصيب أعماق نخاعه، ويسطع القمر فيرسل أشعته الفضية الوادعة فتبهر لبّه، وتتألق النجوم في السماء فتملك عليه نفسه، وتعصف الرياح العاتية فتدمر كل ما أتت عليه. أمام هذه الطبيعة القوية، والطبيعة الجميلة، والطبيعة القاسية، تهرع النفوس الحساسة الي رحمن رحيم، والي بارئ مصور والي حفيظ مغيث ـ الي الله ـ. ولعل هذا هو السر في أن الديانات الثلاث التي يدين بها أكثر العالم، وهي اليهودية والنصرانية والإسلام نبعت من صحراء سيناء وفلسطين وصحراء العرب.
والبيئة الطبيعية أيضاً، هي التي أثرت ـ علي رأيه ـ في طبع العربي، فجعلته كئيباً صارماً يغلب عليه الوجد، موسيقاه ذات نغمة واحدة متكررة عابسة حزينة، ولغته غنية بالالفاظ، اذ كانت تلك الألفاظ من ضروريات الحياة في المعيشة البدوية، وشعره ذا حدود معينة مرسومة، وقوانينه تقاليد القبيلة وعرف الناس، وهي التي جعلته كريماً علي فقره، يبذل نفسه في سبيل الدفاع عن حمي قبيلته. كل هذه وأمثالها من صفات ذكرها وشرحها هي في رأيه من خلق هذه البيئة الطبيعية التي جعلت لجزيرة العرب وضعاً خاصاً ومن أهلها جماعة امتازت عن بقية الناس بالمميزات المذكورة.
وقد استمر (أحمد أمين)، في شرح أثر البيئة الطبيعية في عقلية العرب وفي مظاهر تلك العقلية التي حصرها كما ذكرت في اللغة والشعر والأمثال والقصص، حتي انتهي من الفصول التي خصصها في تلك العقلية، أما أثر البيئة الاجتماعية التي هي في نظره شريكة للبيئة الطبيعية في عملها وفعلها في العقلية الجاهلية وفي كل عقلية من العقليات، فلم يتحدث عنه ولم يشر الي فعله، ولم يتكلم علي أنواع تلك البيئة ومقوماتها التي ذكرها في أثناء تعريفه لها، وهي: ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك ، ثم خلص من بحثه عن العقلية العربية وعن مظاهرها وكأنه نسي ما نسبه الي العامل الثاني من فعل، بل الذي رأيته وفهمته من خلال ما كتبه انه أرجع ما يجب ارجاعه الي عامل البيئة الاجتماعية ـ علي حد قوله ـ الي فعل عامل البيئة الطبيعية وأثرها في عقلية العرب الجاهليين. وهكذا صارت البيئة الطبيعية هي العامل الأول الفعال في تكوين تلك العقلية، وحرمنا بذلك من الوقوف علي أمثلته لتأثير عامل البيئة الاجتماعية في تكوين عقلية الجاهليين.
وأعتقد ان (أحمد أمين) لو كان قد وقف علي ما كتب في الألمانية أو الفرنسية أو الانكليزية عن تاريخ اليمن القديم المستمد من المسند، ولو كان قد وقف علي ترجمات كتابات المسند او الكتابات الثمودية، والصفوية، واللحيانية، لما كان قد أهمل الإشارة الي أصحاب تلك الكتابات، ولعدّل حتماً في حدود تعريفه للعقلية العربية، ولأفرز صفحة أو أكثر الي أثر طبيعة أرض اليمن وحضرموت في عقلية أهل اليمن وفي تكوين حضارتهم وثقافتهم، فإن فيما ذكره في فصوله عن العقلية العربية الجاهلية ما يجب رفعه وحذفه بالنسبة الي أهل اليمن وأعالي الحجاز.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire